تأهل تشيلي إلى كأس العالم 1974: "كان أسخف شيء في التاريخ"


إنه العام 1973، يشارك منتخب تشيلي في التصفيات المؤهلة لكأس العالم الذي سيجرى العام المقبل في ألمانيا الغربية. إلا أن تفاصيل تأهل منتخب تشيلي تعتبر من أغرب وأخزى وقائع تاريخ كرة القدم. اليوم 21 نوفمبر 1973، ينزل لاعبو منتخب تشيلي إلى أرض الملعب، في بلدهم، وتبدأ المباراة بلا منافس، فلا أحد غير لاعبي تشيلي في الملعب، ليحرز فرانسيسكو تشاماكو هدف تشيلي الرمزي في مباراة كانت أقرب إلى التمثيلية الهزلية.

قيل دائما إن السياسة لا مجال بها للأخلاق، ولابد أن يحمل تداخلها مع شتى جوانب الحياة نتائج مخزية.

لا نزال في العام 1973، مر على تشيلي 41 عاما تحت حكم مدني منتخب، ولكن العام سيشهد إنقلابا عسكريا مدعوما من الولايات المتحدة في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بقيادة الجنرال أوجوستو بينوشيه على الرئيس سلفادور أليندي، لتشهد البلاد حملة اعتقالات واسعة انطوت على عمليات تعذيب وتنكيل بالمعارضين.

شهد ملعب "سانتيجو الوطني" الكثير من تلك الانتهاكات، فقد جرى احتجاز ما يقارب 7 آلاف معتقل سياسي بداخله، ناهيك عن عمليات التعذيب والقتل، وهو الملعب الذي ستقام عليه مباراة التأهل إلى كأس العالم بعد أسابيع.

يفترض أن تلاعب تشيلي الاتحاد السوفيتي لتتأهل لكأس العالم في حال فوزها. جرت مباراة الذهاب في موسكو، وانتهت بتعادل سلبي أرضى الفريقين. وحان وقت مباراة العودة في تشيلي، ليصدر الكريملن الروسي، الذي عارض الانقلاب في تشيلي، أمره برفض اللعب على أرض ذلك الملعب تحديدًا قائلًا إنه "ملطخ بالدماء".

طلب الاتحاد السوفيتي خوض المباراة على ملعب آخر، ليواجه الطلب بالرفض من قبل السلطات العسكرية التشيلية، والإصرار على خوضها على ذات الملعب. بينما أصر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في موقف متواطئ مع الحكومة التشيلية على لعب المبارة دون تغيير الملعب، بعد أن كذب جميع التقارير الصحافية وأرسل بعثة تفتيش إلى الملعب، لتجد البعثة أن المعتقلين – بالتأكيد – قد اختفوا.

كان جورج مونتيالجري أحد معتقلي الاستاد، حيث كان عمره آنذاك 19 عاما. قال مونتيالجري إنه في يوم زيارة بعثة الفيفا إلى الاستاد تم إبقاءه، مع بقية المعتقلين، هادئين تحت تهديد السلاح. "احتجزونا في الأسفل، مختفين في غرف خلع الملابس وفي الممرات"، "تم إبقاءنا في الداخل، بسبب مرافقة صحفيين لمسؤولي الفيفا .. كان الأمر كأننا في عالمين مختلفين"حسبما وصف مونتيالجري يوم الزيارة. وبشكل ما، لم يرى ممثلو الفيفا أي من المعتقلين. فأعلن الاتحاد الدولي أن المبارة ستقام، بوجود المنتخب السوفيتي أو بدونه.

فيقرر الاتحاد السوفيتي على إثر ذلك عدم خوض المباراة، ويقرر الفيفا اعتبار المنتخب السوفيتي منسحبًا، إلا أنه أصر على عقد المباراة، وإن كان ذلك بصورة هزلية أكثر منها رمزية.
عقدت المبارة بمشاركة فريق واحد، ليحرز المنتخب التشيلي هدفًا أهله للمشاركة في كأس العالم، وسط جمهور وصل عدده إلى 15 ألف متفرج، في إستاد يتسع لـ80 ألف متفرج، كان أغلبهم من أقارب ضحايا القتل والاعتقال الذين حرصوا على دخول الاستاد أملا في الوصول إلى ذويهم.

كان البطل الكروي التشيلي كارلوس كاسيلي أحد لاعبي تشيلي في تلك المبارة. قال كاسيلي: "فعل ذلك الفريق أسخف شيء في التاريخ. مثل الأمر إحراجًا عالميًا". جدير بالذكر أن والدة كاسيلي تم احتجازها وتعذيبها في ذلك الملعب، حسبما اتضح لاحقا.

"شعرت برجفة باردة تتملك أسفل عنقي عند رؤية ذلك الشيء الشبيه بهتلر، وكان وراءه خمسة رجال .. عندما بدأ في الاقتراب مني وضعت يدي خلف ظهري ورفضت أن أمدها إليه"، هكذا وصف كاسيلي مقابلته الأولى مع الديكتاتور بينوشيه، وكان ذلك في يونيو 1974، عندما جمع بينوشيه الفريق لوداعه قبل السفر إلى ألمانيا.
قبل أيام قليلة من المبارة، تم ترحيل مونتيالجري مع أقرانه من المعتقلين إلى الشمال بعيدا عن الأعين، إلى صحراء أتاكاما.

رفضت أي قناة تلفزيونية إذاعة مباراة اعتزال كاسيلي، عام 1985، جزئيا لأنهم علموا أنها ستتحول إلى مظاهرة، وهو ما حدث بالفعل، بل إنها كانت واحدة من أولى التجمعات الواسعة لخصوم نظام بينوشيه. بعد ثلاث سنوات، عام 1988، صوت الشعب التشيلي ضد فترة انتخابية جديدة لبينوشيه، لينتخبوا بعدها بعام رئيسًا جديدًا بشكل ديمقراطي.



مصادر:

Share this:

0 comments:

Post a Comment